في مثل هذا اليوم احتُلت سبتة.. حاصرها المولى إسماعيل 30 سنة ومازال المغرب يرفض الاعتراف بسيادتها لإسبانيا
في مثل هذا اليوم منذ 6 قرون و7 سنوات، أي في 21 غشت من سنة 1415م، تعرضت مدينة سبتة للاحتلال الإيبيري (البرتغال ثم إسبانيا)، وخرجت من تحت السيادة المغربية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، لتكون هي واحدة من أقدم المناطق المحتلة في التاريخ الحديث.
كان احتلال سبتة على يد قوات الملك البرتغالي جواو الأول الذي استغل وجود تفككات داخل الدولة المرينية المغربية أنذاك، ليهجم على المدينة التي لم تصمد دفاعاتها أمام شراسة الهجوم، ويرفع البرتغاليون في مثل هذا اليوم العلم الصليبي على أسوار المدينة إيذانا بسيطرتهم عليها.
وظل الاحتلال البرتغالي لسبتة ممتدا لأكثر من قرن ونصف، إلى أن حلّت سنة 1578م، عندما تعرضت البرتغال لواحدة من أكبر الهزائم في تاريخها، وهي هزيمة جيشها بقيادة الملك سيباستيان في معركة وادي المخازن أمام القوات المغربية بقيادة السعديين، وقد قُتل في هذه المعركة الخالدة الملك البرتغالي وجل رجال السلطة البرتغاليين، وبالتالي انهيار امبراطورية البرتغال بشكل شبه كامل.
أمام هذا الوضع الجديد، وجدت إسبانيا التي كانت في طريق الصعود بعد طرد المسلمين من الأندلس، الفرصة سانحة لضم البرتغال إليها ومعها كافة مستعمراتها، وكانت من ضمنها مدينة سبتة، وقد ظلت سبتة تحت السيادة الإسبانية منذ ذلك الحين، بالرغم من استقلال البرتغال في وقت لاحق عن العرش الإسباني.
وسواء عندما كانت سبتة تحت الاحتلال البرتغالي أو تحت الاحتلال الإسباني الآن، فإن المغرب لم يفكر في يوم من الأيام في التخلي عن سبتة أو مليلية في الجهة الشرقية، بل قام بالعديد من المحاولات من أجل استردادهما، تارة عبر المفاوضات، وتارة عبر الحروب والحصارات.
وفي هذا السياق، فإن أكبر وأضخم محاولة قام بها المغرب لاسترجاع مدينة سبتة المحتلة، هي المحاولة التي قام بها السلطان العلوي الأقوى، ألا هو السلطان المولى إسماعيل الذي حكم المغرب بين 1672م إلى 1727م، وهو السلطان الذي يرجع له الفضل في تحرير أغلب الثغور المغربية المحتلة، كالعرائش وطنجة وأصيلة ووحّد مُعظم المغرب تحت رايته.
وجاءت محاولة تحرير سبتة بعدما أمر المولى إسماعيل على إثر تحرير معظم الثغور، بتنقل الجيوش المغربية المكونة من معظم مناطق البلاد، خاصة المناطق المجاورة لسبتة، إلى حدود هذه المدينة سنة 1694م لحصارها وتضييق الخناق عليها كمقدمة لاسترجاعها، مثلما حدث مع طنجة عندما حاصر المغاربة المدينة 4 سنوات قبل أن يستسلم الإنجليز ويرحلوا عن طنجة سنة 1684م مدحورين.
ودخلت الجيوش المغربية في مواجهات ومناوشات مع الجيوش الإسبانية المتواجدة في سبتة، واستمر الوضع متجسدا في حصار دائم، ومعارك تحدث بين الحين والآخر، ومعها شدّدت القوات المغربية الخناق على المدينة التي اضطرت إلى المطالبة بالامدادات من إسبانيا عبر مضيق جبل طارق.
وحسب عدد من المؤرخين، فإن حصار المولى إسماعيل لمدينة سبتة استمر إلى غاية 1724م، أي 30 سنة من الحصار المستمر، ولا يُعرف أي حصار في التاريخ دام هذه المدة الطويلة، إلا أن المدينة تمنّعت على القوات المغربية بسبب حصونها الصعبة وبسبب الامدادات التي كانت تصل إليها من إسبانيا.
لكن وفق المؤرخين، هناك عوامل أخرى ساعدت على إفشال محاولة المولى إسماعيل لتحرير سبتة، من أبرزها أن المولى إسماعيل كان مشغولا بحروب أخرى في مناطق أخرى بالمغرب من أجل بسط سيطرته على كافة رقعة البلاد، إضافة إلى أن الجيوش المغربية التي كانت تُحاصر سبتة، كانت قد وصلت إلى مرحلة من الإنهاك بعد حروب طويلة ومستمرة لتحرير طنجة وأصيلة والعرائش.
كما تتحدث مصادر تاريخية أخرى، عن رغبة بعض القيّاد في الجيش المغربي في إبقاء الوضع في حالة حصار دون تحرير المدينة، خشية تنقلهم إلى مناطق أخرى للقتال بأمر من المولى إسماعيل الذي لم يكن يعرف فترات الراحة، حتى وُصف بالسلطان الذي حكم المغرب فوق جواده بسبب حروبه الكثيرة التي كان لها فضل توحيد المغرب وتحرير جل المناطق التي كانت محتلة من طرف قوى أوروبية.
اليوم، عندما يقول بعض المسؤولين أو الخبراء الإسبان، بأن المغرب لن يتوقف عن محاولات استرجاع سبتة ومليلية، فهم يدركون أن هذه الحقيقة تجري في دماء المغاربة ومتوارثة أبا عن جد، وبالتالي مهما طال الزمن فإنهما ستعودان إلى المغرب مثل ارتباطهما الترابي به.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :